** (التربية السليمة تبدأ من الأسرة) , كلمة مهمة جدا , فهل لفضيلتكم كلمة بخصوص ذلك أو تعليق لإبراز أهمية دور الأسرة في تربية النشء ؟
الجواب :
يُناط بالأسرة مهمات تربوية جليلة ، ولكنها ليست الوحيدة في منظومة التربية ، بل المؤسسات التعليمية ، من مدارس وجامعات ، ووسائل الإعلام .
وكنت قبل أيام مررت بموقف تعجّبت من قوة تأثير وسائل الإعلام .
وذلك أن وسائل الإعلام كررت علينا كثيراً أن إهدار الماء خطأ – وهذا لا شك فيه – فلما رأيت رجلا يغسل سيارته أمام بيته ويُهدر الماء أنكرت ذلك في نفسي ، ويُنكره غيري – طبقا لما ترسّخ فيها !! – ولكني عُدت إلى نفسي فقلت : هذا الذي يرتكبه هذا الشخص خطأ وإسراف في استعمال الماء ، لكن ما مدى إنكار النفوس لمنظر - يكاد يكون مألوفاً – وهو التدخين الذي شاع في كل مكان ؟
ماذا لو تم تركيز بعض وسائل الإعلام على ضرر التدخين ، كما تم التركيز على خطأ إهدار المياه ؟
ماذا لو تم هذا التركيز على ضرر المخدِّرات ؟
ماذا لو تم مثل هذا التركيز على خطورة تبرّج النساء ؟
أما تبرّج النساء فهو ما تدعو إليه كثير من وسائل الإعلام ! فكيف تُنكِره ؟!!
لا أنكر أنه توجد بعض الجهود ولكنها تتراوح ما بين ضعف وهُزال !
أخلص من هذا إلى أن وسائل الإعلام رافد من روافد التربية ، بل ومن تغيير القناعات ، وربما القناعات الثابتة !
والمدرسة هي الأخرى رافد من روافد التربية ، ولا يُستهان بها ، بل هي من أهم معالم التربية ؛ لأنه في وقتنا صارت الدراسة حتم لازم !
فلا يكاد أحد يعيش ولا يمرّ بالمدرسة .
والطفل بل والشاب عموما يتأثر بمعلِّمه – رجلا كان أو امرأة – .
ولذا فإن على المعلمين والمعلمات أن يتقوا الله فيمن تحت أيديهم ، وأن يعتنوا بتربيتهم .
وأعود إلى صلب السؤال
الأسرة وأثرها في التربية
مما لا شك فيه أن للأسرة أثراً بالغاً في تربية الناشئة – بنين وبنات – .
ولذا فإن على الآباء والأمهات مراعاة سلوكياتهم داخل الأسرة .
وأن تكون تصرفاتهم مضبوطة موزونة .
وأعرف رجلا ابتُلي بالتدخين ، فكان لا يُمكن أن يُدخِّن أمام أولاده .
وهكذا في كل خُلُق رذيل ، وفي كل طبع سيئ يجب أن لا يكون أمام الأولاد .
ومن المهم في هذا الجانب أن يُبعد أفراد الأسرة عن مشاكل الأبوين – إذا وُجِدت – لما فيها من التأثير النفسي ، والأثر السلبي على تربية الأولاد .
وتضطلع الأسرة بمسؤولية تربية الناشئة على الهدي النبوي الكريم .
ويُعجبني حرص بعض الآباء المقصّرين - في خاصة أنفسهم – أنهم يحرصون على تربية أولادهم على الهدي النبوي ، ولا يرتكبون ذنبا إلى ذنوبهم ، ولا تقصيراً إلى تقصيرهم ، وذلك بأنه يُفرِّطوا في تربية أولادهم بحجة أنهم هم لم يمتثلوا ذلك الهدي في نفوسهم .
إن بركة تربية الناشئة على الهدي النبوي قد يقود إلى امتثال الآباء بل والأمهات إليه .
إذ قد يسأل الابن أباه : لماذا تنهاني عن هذا الخُلُق وأنت تفعله ؟
فيكون مؤثِّرا بالغا في استقامة سلوكه .
ويُقال مثل هذا في حق الأم
إذا أمرت ابنتها أو نهتها عن الأخلاق السيئة ، فربما تساءلت البنت : وأنتِ ؟!
فلا شك أن الأسرة لها تأثير بالغ في تربية الأجيال .
وكم أعجب عندما أقرأ في سير العلماء ، وأرى أن بروزهم كان وراءه تربية جادّة ، بل الأعجب أن ترى التربية الجادة تقوم بها امرأة تأيّمت وترمّلت فوقت حياتها على وليدها حتى صار عالما يُشار إليه بالبنان !
وإذا علِمتَ أنه في كثير من الأحيان كان المحيط الأسري والجو العائلي وراء تخرّج كثير من العلماء وبروزهم ، علِمت مقدار تأثير الأسرة في التربية .
حضرت مرّة عند بعض الأقارب فسُمِع طفل تكلّم بكلمة نابية – ليست من بضاعة تلك الأسرة – فما كان منهم إلا أن وبّخوه بل وهجروه يومه ذلك ، فما سُمِع بعد ذلك يتكلّم بكلام مثل ذلك الكلام .
كل هذا يؤكِّد أن التربية الجادة يجب أن تتعاضد عليها جهود وليس جُهداً .
خاصة في مثل هذا الزمن الذي كثُرت مغرياته وفِتنه .
والله تعالى أعلم
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد