عـودة للخلف   :: ملتقى فتيات الإسلام :: > ♥ سَمَآءَاْتٌ بَيْضَآءْ ♥ > صفحاتٌ مُلونة

صفحاتٌ مُلونة للمواضيع العامة التي لا تندرج تحت أي قسم

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) منذ /02-28-2009, 08:40 PM   #1

المهاجرة
بُرعُمة خَيرٍ
 
صورة المهاجرة الرمزية

المهاجرة غير متصل


 عضويتي : 731
 تاريخ إنتِسَآبيْ : Feb 2009
 مكاني :
 مشاركاتي : 78
 التقييم : المهاجرة لا تَملك نقــاط ... وَفقهاَ اللهْ~
آخر تواجد: 05-01-2012 04:08 PM
الدكتورة

القصة
قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي ، وقد تقولون بأنها ضرب من الخيال ولكن لتعلموا أن كل حرف فيها ينبض بالصدق والحقيقة فقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي .. لتعرفوا فقط أنني ما عانقت اليأس فيها يوما ، لأنني توكلت على ربي سبحانه ، وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل .. التي جدفت بهما حتى رسوت في النهاية على ميناء السعادة والحقيقة ، فاقرؤوها .. لتزرعوا الأمل فيما بعد في جنبات حياتكم ، ولتطردوا منها كل طائر يأس قد يعشش فيها .
1
عشت طفولة بائسة ، أقل مايقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة لاتكاد تجد ماتسد به رمقها من الجوع .. لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتهم البائسة تلك ، ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ، ومناسبات الأفراح لجيراننا ، وأهل الحارة بفارغ الصبر ، والترقب لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي نحرم منها طوال العام .
2
كانت أسرتي أسرة مفككة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر ، فلكل منا عالمه الخاص المغلق عليه هو فقط ، ولايستطيع أي كان أن يدخل إليه ، لا لأن أبوابه موصدة بقوة ! ؛ بل لأن أيا منا لم يكن ليهتم بدخول عالم الآخر ، فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه مايشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها .
3
كان أبي يعمل مستخدما في أحد المعارض ، وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة إلى نهاية الشهر بأمان ، بل كثيرا ماتتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر ، هذا بالرغم من بؤس عيشنا وشظف حياتنا .
كان والدي إنسانا سلبيا قانعا من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع أحيانا ، لايعلم عنهم شيئا ، وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من السجن آثارا سلبية جعلته لا مباليا بكل ماحوله . كنت أشفق عليه أحيانا ، وأنا أرى نبتة الأمل تخبو في نفسه يوما بعد الآخر . كان كثير الصمت والشرود لايحرك ساكنا ، ولو انهارت الدنيا من حوله ، أو كأنما هو أحس بخيوط حياته قد أفلتت من بين يديه فآثر أن لا يركض وراءها فأذعن لها بكل انهزامية واستسلام .
4
أما والدتي واعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة ، فالحقيقة أشد إيلاما ، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوما أنها زوجة وأم ؛ عليها واجبات تجاه زوجها وأبناؤها ، وكانت دائما تنظر إلى ما في أيدي الآخرين ، وتحسدهم على ماأنعم الله به عليهم ، وتستجديهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها ببعض الفتات ، فكأن أبي وأمي قد اعتبروا أن هذه الأسرة مصيبة حلت عليهم ، فهم يخشون مواجهتها أو حتى التعايش معها .
5
أما إخوتي فحدث ولاحرج ، فهم يعيشون بين جنبات الشوارع بلا هدف ولا معنى ، وأغلبيتهم انحرفوا عن جادة الصواب والطريق القويم دون أدنى مساءلة من أبي وأمي ، حتى إخوتي البنات لم يقمن وزنا للأخلاق ، ولا للشرف ، ولا حتى لنظرة المجتمع من حولهن ، والكارثة العظمى ؛ أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع الإبتدائي ، فإنهم يتسربون من مدارسهم بلا سبب سوى ضجرهم ، وعدم قدرتهم على النهوض صباحا ، فيقررون هكذا الإنقطاع عن المدرسة دون حسيب ، أو رقيب ، والإكتفاء بالتقلب داخل رحم التخلف ، والإنحراف ، والتشرد .
6
في ظل شرود أبي ، وتسكع أمي بين شوارع الحارة ؛ عشت هذه الطفولة الكئيبة ، وأنا كارهة لوضعي ناقمة على أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف ، وأسمى لقب في الوجود ، متشبثة بدراستي بقوة سمكة صغيرة مرتجفة تسبح ضد التيار الذي لايرحم ، وقد كنت من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي ، وانحراف أفرادها بلا استثناء .
7
وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسار حياتي للأبد ، وفيه بدأت مأساتي الحقيقية ، والتي لولا إيماني بالله ورحمته بي لما تجاوزتها . فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط ، وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى هذا المستوى . تقدم رجل لخطبتي من أبي ، وكنت حينها في الخامسة عشر من عمري ، أما هو كان في الستين من عمره ؛ مصاب بالضغط المرتفع ؛ والسكري ؛ ومدمنا للخمر ؛ وتاجرا للمخدرات مما يدر عليه دخلا مرتفعا ، وهذا هو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أمي وأبي يسيل ، ولايكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان ، ومن دون تردد وافقا ودون حتى أن يأخذوا موافقتي .
صرخت في وجهيهما ؛ [ لاأريده ] ؛
[ أريد أن أكمل دراستي ] زوجوه أختي الكبرى ، ولكن للأسف كان صوتي مجرد صدى يتردد من حولي دون أن يسمعه أحد سواي ، وكأنما كنت أحادث الفراغ اللامتناهي أمامي وليس والداي ، فقد أصما عقليهما إلا من نداء المال . قبضت أسرتي ثمن البيعة الخاسرة ، وهي مسرورة بالرغم من علمهم بأنه من مصدر حرام . وتم زفافي وسط جو كئيب من التعاسة ، واللامبالاة . فتخيلوا أن أمي لم تفكر حتى في توجيه أي نصيحة لي تلك الليلة ، أو حتى إلقاء نظرة على زينتي ، وماكياجي الذي وضعته أنا على وجهي ، أو حتى أن تتفقد أغراضي التي أحتاج إليها في بيتي الجديد .!
[] أتعلمون ماأول شئ وضعته أنا في حقيبتي ؟
وضعت دروسي ، وكتبي ، والتي كنت أتعلق بها ، كما يتعلق الطفل الصغير بثوب والدته خشية ضياعه منها في دروب الحياة الغامضة . []
8
ودخلت داري الجديدة ، عفوا : أقصد سجني ، وبمجرد أن أغلق الباب وراءه ؛ بدا بافتراسي كما يفترس الذئب ضحيته بكل وحشية ودموية . حاولت الهرب منه ولكنه لم يمهلني ، بل بدأ بتمزيق فستان زفافي ، ومعه مزق كل معنى جميل كنت أحاول رسمه لحياتي القادمة . لقد اغتصبني كما يغتصب المجرم عديم الأخلاق ضحيته في شوارع الليل المظلمة ، وبين جنبات الخرائب المتهدمة ، وبعد أن انتهى من جريمته تناول شرابه الكريه ، واستلقى على فراشه كثور ضخم متبلد الإحساس دون حتى أن يكلمني ، أو ينظر إلى وجهي وارتفع صوت شخيره البغيض ، وهو أشبه بصوت طرق عنيف على أذني ، ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع الذي إغتال آدميتها ونقاءها . أخذت أرتجف بألم ، وأجفف جراحي النازفة ، وأهدي من روعي المتصاعد من هذا الوحش الآدمي ، الذي يرتدي عباءة الزوج .
9
خمس سنوات مرت من عمري دفعتها
كفاتورة قاسية للجشع والطمع اللذين أعميا أبصار أهلي . خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غاليا ، وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط ، والنعال - أكرمكم الله - ، والحبس ، وحتى الحرمان من الطعام ، وكأنني خادمة يتيمة في قبضة سيد اشتراها من ماله ، فهو يتحكم بها كيفما يشاء ، كل ذلك لم يقهرني بقدر ماقهرني وجعلني أنزف من الداخل ؛ حرماني من الدراسة ، ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة ، أو حتى لإنتسابي وأدائي للإختبار نهاية العام . أصبحت أشبه بهيكل عظمي نتيجة الهم والغم ، الذي أصابني بسبب حرماني من الدراسة ، ولكن الله الرزاق الرحيم يشاء أن يهبني أطفالا يشغلونني عن كثرة التفكير بحرماني من الدراسة التي أعشقها ، إلى درجة لا يتصورها إنسان .
10
أنجبت ولدين وبنت خلال خمس سنوات فقط ، وأنا في العشرين من عمري لقد عاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع ما مررت به في طفولتي ، من ألم الإهمال ، وعدم الإحساس بالأبناء ، ولكن أنى لي ذلك ، وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة ، فبمجرد أن يشرب الخمر ويصبح ثملا ؛ فإنه يقوم بضربي وإياهم على أتفه الأسباب . أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة ؛ كنت أحتضنهم وأنام وإياهم ونحن جالسين ؛ خوفا من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعدنا دائما . أما حين يكون بحاجة للمخدر ولايجده ؛ فإنه يقوم بتحطيم الأثاث ، وتكسير الأواني ، وطردي مع أطفالي إلى الشارع ، وكثيرا ماقام جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة ، وشفقة بنا ، ولعلكم تتساءلون عن والدي ودورهما في مساعدتي ؟
اسمحوا لي أن أصدمكم بقولي : أنهما لم يحركا ساكنا تجاه مايريانه من أحداث مؤلمة تحيط بي ، وكاد اليأس أن يتسلل إلى نفسي من هذه الحياة السوداء التعيسة التي أعيشها ، ولكن قوة إيماني بربي كانت تحول بيني وبين هذا الشبح البغيض . دعوت الله في تلك الليالي المدلهمة أن يفرج كربي ، ويزيل عني هذا البلاء ، الذي تعجز نفسي المرهفة على احتماله .
11
واستجاب الله لدعائي . ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا ، وهم ينادون علي
" ياأم فلان .. زوجك .. زوجك "
ركضت أنا وأطفالي مسرعين ، خرجنا من الدار لنرى ما حدث .
لقد قام زوجي السكير بالعراك مع رجل من زبائنه ، اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين ؛ فطعنه زوجي طعنات قاتلة فمات على الفور . لقد شاهدت زوجي المجرم ، وقد تلطخت ملابسه بالدماء ، وهو يرتجف بين أيدي رجال الشرطة ، كما يرتجف الفأر المذعور حين يقع في المصيدة ، كانت شفتاه تميلان إلى اللون الأبيض من هول الموقف ، وأطرافه بالكاد تحمله ، أما عيناه فكانتا زائغتين ينظر إلى الناس من حوله بذهول ، أما أنا فلا تسألوني عن مشاعري المضطربة حينها ، لا أدري أهي لحظات سعادة ؟ ، أم شماتة انتظرها من زمن طويل ؟ ، أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة ؟ ، لم أشعر إلا وأنا أردد لاشعوريا : الحمد لله ، الحمد لله .
12
تذكرت تلك الليلة الحزينة ، ليلة زفافي الأليمة حين وجه إلي طعناته النافذة ، واغتصبني بقسوة رجل سكير ، يحمل بين جنبيه قلب من صخر ، لا رحمة فيه ولا شفقة ، تذكرت جراحي النازفة ، وثيابي الممزقة ، وإرتجافي بين يديه بخوف ، لم أكن أعلم إلى أين أفر ، ولم يكن لي مهرب ، تذكرت دموعي الساخنة في تلك الليلة السوداء ، يا إلهي هاهو الزمن يعيد تصويره العجيب ، إنه اليوم في نفس موقعي بالأمس ، يالها من دنيا عجيبة . وبعد أسبوع فقط من القبض عليه ، وقبل حتى أن تبدأ محاكمته ؛ أصدرت عدالة السماء حكمها فمات بعد ارتفاع الضغط ، وإصابته بنزيف دماغي ، أتتخيلون البلبل الصغير حين يفتح له باب القفص فجأة فيتردد في الإنطلاق ظنا منه أن ذلك حلم . كنت أنا مثله تماما ، بصقت على دولاب ملابسه ، وعلى كؤوس خمره القذرة ، وعلى سوطه الذي ألهب جسدي ، وجسد أطفاله من ضرباته المؤلمة ، بصقت على كل شبر في منزلي سار عليه ودنسه برجليه الكريهتين ، وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته ، وأنا التي لم أرهم منذ سنتين ، فكانت أول كلمة قالتها أمي حتى قبل أن تقبلني ؛ " الله يرحمه ، هل عنده إرث ؟! " ، ولولا خوفي من الله لطردتها ، وطردتهم جميعا .!
13
ومن تصاريف رب القدر ؛ أن زوجي كان مديونا ، وحين علمت أسرتي بذلك لم أعد أراهم ، فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئا إضافيا أنا ، وأطفالي ، شعرت بالألم الممزوج بالقهر ، فيا لها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي أبرمها أهلي مع ذلك الجلاد . خمس سنوات من عمري ضاعت ، وحين كان أهلي يستعدون لجني الأرباح وجدوا أن الأسهم كانت خاسرة ، ففضلوا الهرب بعيدا . جلست أفكر مليا فأنا الآن أمام مفترق الطرق ، فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري لدي ثلاثة أطفال ، وليس لدي مورد رزق ، ماذا أفعل ؟ أمامي طريقان أسلكهما ؛ الأول : هو طريق الكفاح والصبر ، والأمل البعيد .
والثاني : طريق الكسب السريع حين أبيع أنوثتي للراغبين في امرأة جميلة ووحيدة ، اخترت الطريق الأول بلا تردد . فأهم شئ حصلت عليه من رحلتي المؤلمة ؛ أنني أصبحت حرة ليس لهؤلاء عديمي الرحمة والشفقة ، قيد علي ، فكان أول مافعلته ؛ أنني بعت آخر قطعة ذهب خبأتها عندي بمبلغ لابأس به ، ورحلت عن هذا المنزل الكريه الذي شهد أسوأ ذكرياتي .
14
وانتقلت أنا ، وأطفالي إلى مدينة بعيدة ، وهناك استأجرت غرفة صغيرة بحمامها ، واشتريت موقدا صغيرا ، وسريرا مستعملا ليضمني أنا وأطفالي . وبعض الأواني القديمة المستعملة ، أعترف أنها كانت غرفة حقيرة حتى في نظر الفقراء ، ولكن ماجعلها مثل الحلم بنظري ؛ هو أنني وحدي فيها مع أطفالي فأنا التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعا ، فلا أحد بعد اليوم سيرسم لي طريق حياتي البائسة . بدأت أبحث عن عمل شريف أعيش منه أنا وصغاري ، ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيرا ، فقد كانوا يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمة ، وأحسنوا إلي فجزاهم الله عني خير الجزاء ، ووجدت عملا حكوميا كمستخدمة في إحدى المدارس الثانوية القريبة من بيتي ، ولا أنسى أول راتب قبضته في حياتي ، صحيح أنه كان بسيطا ، ولكن دموعي انهمرت من عيني لحظة استلامه ؛ بكيت كثيرا وحمدت الله على رزقه ، وإعانتي على لقمة العيش الشريفة .
15
اشتريت لأطفالي ملابس جديدة ، وألعابا ، وطعاما طيبا ولأول مرة منذ أربعة أشهر ، أطبخ لحما ، ودجاجا لأطفالي ، واشتري لهم بسكويتا وشوكلاته ، كنت أرى السعادة تتراقص في أعينهم وهم يتلذذون بما أحضر لهم ، خاصة حين هجرنا الخوف من ذلك المجرم الذي كان يضربنا في كل لحظة ، وكأننا كلاب شريرة جاءت تتسول على بابه . مرت سنة كاملة علي وأنا في وظيفتي . استطعت خلالها أن أكسب احترام مديرتي ، وتعاطف المعلمات ، وحب الطالبات ؛ بما منحني الله من تفاني بالعمل وإخلاص ، وذات يوم سألت نفسي لم لاأكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية ! ، وعرضت الأمر على مديرتي فشجعتني كثيرا ، وفعلا قدمت أوراق انتسابي ، وكانت صدفة أن ابني البكر يدرس في الصف الأول الإبتدائي ، وأنا في الصف الأول الثانوي . اجتهدت كثيرا في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاة على عاتقي كأم ، وموظفة ، وطالبة . وفي خلال ثلاث سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة ، بنسبة سبع وتسعون بالمئة ، وكانت هذه النسبة مفاجأة لكل من حولي ، بكيت كثيرا وأنا أرى ثمار جهدي بدأت تنضج .
16
انتقلت من عملي كمستخدمه ، وقدمت على وظيفة كاتبه في إحدى الدوائر الحكومية براتب جيد ، بالإضافة إلى تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة قسم التربية الإسلامية . استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين ، وصالة ، ومطبخ مستقل ، وحمام ، ولأول مرة يدخل التلفزيون إلى بيتنا بعد أن أخذت سلفة من البنك ؛ أثثت فيها الشقة أثاثا جديدا ، صحيح أنه كان بسيطا ، ولكنه لم يكن مستعملا ، وبدأت ارتاح نوعا ما في حياتي خاصة أن أطفالي جميعهم دخلوا المدارس ، وأصبحوا من المتفوقين دراسيا وأخلاقيا ، اشتريت لأطفالي ما كانت نفوسهم تهفوا عليه من ألعاب رخيصة ، وملابس بسيطة ، وحاولت قدر الإمكان أن أعوضهم عن حاجتهم إلى العائلة الكبيرة ، فكونت صداقات عميقة مع زميلات ، وأخوات في الله ، كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات ، وزيارات سوية نروح عن أطفالنا ، والذي كان يثلج صدري ويمنحني الصبر ، والأمل هو نظرات الحب التي كنت أراها في عيون أطفالي ، وتلك القبلات اللذيذة التي كانوا يعطرونني بها بمناسبة ، أو بدونها . مرت أربع سنوات عصيبة حصلت فيها على البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى ، ثم استقلت من عملي ككاتبة ، وتم تعييني معلمة في مدرسة ثانوية .
17
كان ابني الكبير في الثالثة عشر من عمره حين أصبحت معلمة احتضنني بقوة ، وهو لايكاد يغالب دموعه قائلا : { أمي أنا فخور بك ، أنت أعظم أم في العالم } ، واحتضنتهم جميعا ، وظللنا نبكي بلا شعور لساعات طويلة ، ولأول مرة في حياتي أقبض مرتبا ضخما . تصدقت بنصفه كشكر لله على نعمه المتوالية علي ، وبما يسر لي من أسباب الرزق ، وبنصفه الباقي اشتريت لأطفالي جميع مايحتاجون إليه .
وبدأت فيما بعد أدخر جزءا كبيرا منه لبناء منزل خاص بنا ، وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط ، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف ، وبدأت في بناء منزلنا الكبير المكون من طابقين به عشر غرف ، وصالتين ، ومطبخ ، ومستودع ، وحديقة كبيرة ، ومسبح جميل .
18
وقدمت على الدكتوراه ، وكان مشوارها صعبا جدا ؛ خاصة أن أطفالي بدؤا يكبرون ، ويتدرجون في فصولهم ، فكان الإرهاق يكاد يقتلني أحيانا وأنا أشتت نفسي بين عملي كمعلمة ، وبين مذاكرتي للدكتوراه وأبحاثي ، وبين مذاكرة أولادي ، وبين الإشراف على البناء والتأثيث ، والذي كان أثاثا فخما ورائعا . وحصلت خلالها على درجة الدكتوراه وبإمتياز أيضا مع مرتبة الشرف ، وتم تعييني كأستاذة في الجامعة ، وأنا في السابعة والثلاثين من عمري . أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي بمن فكرت ؟ لقد فكرت بأمي ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح ؟ ، أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك ؟! .
19
ولكن لاتعتقدوا أني إنسانة عاقة لوالدتي ، أو أنني لم أحاول صلتها في ما مضى ؛ بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مرة خلال مشوار حياتي ، فوجدتها كما هي لم تتغير ، تتسكع بين بيوت الجيران ، وتهفوا إلى المال دائما أيا كان مصدره ، حتى أنها كثيرا لاتسأل شقيقاتي من أين يأتين بالمال ؟ ، بل أهم من ذلك : أن يعطينها شيئا منه . أما والدي فقد توفي بعد زوجي بسنة واحدة . اقتطعت جرءا من مرتبي شهريا ، وكنت أرسله لها بإنتظام إلى أن توفاها الله بعد ذلك .
أما إخوتي وأخواني ، فلم يكن يشرفني التعرف إليهم ، أو تواجدهم
في حياتي ، فابتعدت عنهم من أجل أبنائي .
20
ابتسمت الحياة لي بعد عبوس طويل ، فها أنا الآن لي مركزي الإجتماعي ، وأعيش في بيت فخم ، وعندي الخدم ، والسائقين ، وأبنائي جميعهم قد تخرجوا من جامعاتهم العلمية ؛ فإبني الأكبر : أصبح طبيبا جراحا ، والآخر : مهندس معماري ، والصغرى : طبيبة أطفال ، وقد زوجتهم جميعا ، وأصر إبني الكبير أن يعيش هو وزوجته معي ، فملآ علي البيت بالحياة ، وضحكات الأحفاد ، وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري مازلت أحتفظ بمسحة من جمالي برغم جميع الظروف التي مررت بها .



هذه القصة حقيقية



















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -


 
قديم(ـة) منذ /02-28-2009, 09:04 PM   #2

خولة
مديرة الملتقى ♥
 
صورة خولة الرمزية

خولة غير متصل


 عضويتي : 460
 تاريخ إنتِسَآبيْ : Dec 2008
 مكاني : مكة
 مشاركاتي : 8,743
 التقييم : خولة has a reputation beyond reputeخولة has a reputation beyond reputeخولة has a reputation beyond reputeخولة has a reputation beyond reputeخولة has a reputation beyond reputeخولة has a reputation beyond reputeخولة has a reputation beyond reputeخولة has a reputation beyond reputeخولة has a reputation beyond reputeخولة has a reputation beyond reputeخولة has a reputation beyond repute
آخر تواجد: 05-15-2019 08:57 PM
الافتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما شاء الله ، كفاحٌ ونضال وصبر وجلد ، لكن النتيجة حلوة كعناقيد العنب ..!


المهاجرة : شكراً لكِ ، هذه القصة دافعُ أملٍ من الصعب أن ينضب ، شكراً لكِ من القلب ..

:)




















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

الحمد لله حمداً تطيبُ به الحياة

؛

 
قديم(ـة) منذ /03-01-2009, 12:39 AM   #3

المهاجرة
بُرعُمة خَيرٍ
 
صورة المهاجرة الرمزية

المهاجرة غير متصل


 عضويتي : 731
 تاريخ إنتِسَآبيْ : Feb 2009
 مكاني :
 مشاركاتي : 78
 التقييم : المهاجرة لا تَملك نقــاط ... وَفقهاَ اللهْ~
آخر تواجد: 05-01-2012 04:08 PM
الافتراضي

درّة الأحساء ..



اليكـ ..


كثير شكر


مرورك أنعش متصفحي

لكـ ودادي

دمتي بحب



















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -


 
قديم(ـة) منذ /03-19-2009, 01:42 PM   #4

زهرة العراق
بُرعُمة خَيرٍ

زهرة العراق غير متصل


 عضويتي : 656
 تاريخ إنتِسَآبيْ : Feb 2009
 مكاني : العراق _ النجف الاشرف
 مشاركاتي : 59
 التقييم : زهرة العراق لا تَملك نقــاط ... وَفقهاَ اللهْ~
آخر تواجد: 06-22-2009 10:01 AM
الافتراضي

[glow="9966ff"]اه احسنت و بارك الله فيك [/glow]
[grade="00008b ff6347 008000 4b0082"]
[glow="cc6666"]على صبرك و ايمانك بالله و هذا كافي لاعادة الحياة و ملئها بالامل من جديد

و الله انا اتاثرت بقصتك كثيرا

وفقك الله و دمتي دوما انت و اطفالك و احفادك بتمام الصحة و العافية

انا اعرف ان كلماتي هذه لا تكفي لوصفك الرائع ([blink]فاعذريني[/blink]) لقد اثبتي بجدارة انك اهل لتحمل المسؤلية[/glow][/grade]




















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

[GLOW="FF0066"]زهرة العراق[/GLOW]

[GLOW="CCCC33"]رئيسة مجموعة الصداقة[/GLOW]

 
قديم(ـة) منذ /03-25-2009, 08:45 PM   #5

المهاجرة
بُرعُمة خَيرٍ
 
صورة المهاجرة الرمزية

المهاجرة غير متصل


 عضويتي : 731
 تاريخ إنتِسَآبيْ : Feb 2009
 مكاني :
 مشاركاتي : 78
 التقييم : المهاجرة لا تَملك نقــاط ... وَفقهاَ اللهْ~
آخر تواجد: 05-01-2012 04:08 PM
الافتراضي

اختي:
زهرة العراق


اليك كثير حب وشكر
كلماتك راءعة جدا


لكن القصة ليست لي شخصيا

عذرا إذا التبس الأمر عليكم لكن سندها قريب جدا لي




















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -


 
قديم(ـة) منذ /03-25-2009, 08:47 PM   #6

المهاجرة
بُرعُمة خَيرٍ
 
صورة المهاجرة الرمزية

المهاجرة غير متصل


 عضويتي : 731
 تاريخ إنتِسَآبيْ : Feb 2009
 مكاني :
 مشاركاتي : 78
 التقييم : المهاجرة لا تَملك نقــاط ... وَفقهاَ اللهْ~
آخر تواجد: 05-01-2012 04:08 PM
الافتراضي

انتبهوا يابنات

القصة ليست لي شخصيا

لكن سندها قريب جدا لي




















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -


 
قديم(ـة) منذ /07-30-2009, 09:41 PM   #7

الاوابة
في ضيافَتِنا

الاوابة غير متصل


 عضويتي : 269
 تاريخ إنتِسَآبيْ : Oct 2008
 مكاني :
 مشاركاتي : 20
 التقييم : الاوابة لازالتْ في بِداية الطــريق ْ... حَفظهاَ الــبَاريْ ورَعاهاَ ~
آخر تواجد: 08-01-2010 11:38 PM
الافتراضي

ما شاء الله ... أمثالها قليل بارك الله فيها وبارك لها بأولادها
ووفق الاهل جميعا لما فيه خير وصلاح الأبناء ....
بارك الله فيك أختي في الله المهاجرة على النقل المؤثر .




















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -


 
قديم(ـة) منذ /07-31-2009, 03:46 PM   #8

حلم الاسلام
عضوية نآدي القرآءة ♥
 
صورة حلم الاسلام الرمزية

حلم الاسلام غير متصل


 عضويتي : 980
 تاريخ إنتِسَآبيْ : Apr 2009
 مكاني : الاردن
 مشاركاتي : 790
 التقييم : حلم الاسلام لازالتْ في بِداية الطــريق ْ... حَفظهاَ الــبَاريْ ورَعاهاَ ~
آخر تواجد: 09-01-2015 01:19 AM
الافتراضي

شخصية رائعة
وشكرا لك ايضا اختي المهاجرة
تحياتي




















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -


 
قديم(ـة) منذ /07-31-2009, 04:38 PM   #9

دمعة بغداد
ريحانَةٌ ذاتُ شّذا
 
صورة دمعة بغداد الرمزية

دمعة بغداد غير متصل


 عضويتي : 1061
 تاريخ إنتِسَآبيْ : May 2009
 مكاني : أينما تسقط الأمطار
 مشاركاتي : 350
 التقييم : دمعة بغداد لازالتْ في بِداية الطــريق ْ... حَفظهاَ الــبَاريْ ورَعاهاَ ~
آخر تواجد: 09-02-2012 09:07 PM
الافتراضي

والله لا اعرف ماذا اقول ..... ولكن تأثرت لدرجة ... حتى النهاية لم افرح بها .... كنت ارى هذه القصص بالمسلسلات .... دمعت عيناي حين قرأت بداياتها ... الله يكون بعونها .... اكيد لن تنسى الذي حصل ...

بوركت يمينك ..... هي امرأة نادرة ..... قوية،صابرة،متفائلة ....

تحياتي




















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

من وجد الله فماذا فقد؟.. ومن فقد الله فماذا وجد؟




 
قديم(ـة) منذ /03-08-2010, 02:44 PM   #10

الغلا
حقلُ وردٍ مُبهِرٍ
 
صورة الغلا الرمزية

الغلا غير متصل


 عضويتي : 888
 تاريخ إنتِسَآبيْ : Mar 2009
 مكاني : القصيـــــــ(*ـ*)ـــــم,,
 مشاركاتي : 1,128
 التقييم : الغلا لازالتْ في بِداية الطــريق ْ... حَفظهاَ الــبَاريْ ورَعاهاَ ~
آخر تواجد: 01-19-2013 10:44 PM
الافتراضي

مؤثررررررررررررررررررررة جدآآآ..

بارك الله فيك ورزقك من خيري الدنيا والأخرة




















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -



مشآركة في :

^^^^

شرفوآ فلكري

 
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً: 1 (0 من الأعضاء و 1 من الزوار)
 
أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +3: 10:32 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
:: فتيات الإسلام ::