عـودة للخلف   :: ملتقى فتيات الإسلام :: > ♥ سَمَآءَاْتٌ بَيْضَآءْ ♥ > صفحاتٌ مُلونة

صفحاتٌ مُلونة للمواضيع العامة التي لا تندرج تحت أي قسم

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) منذ /02-28-2009, 08:40 PM   #1

المهاجرة
بُرعُمة خَيرٍ
 
صورة المهاجرة الرمزية

المهاجرة غير متصل


 عضويتي : 731
 تاريخ إنتِسَآبيْ : Feb 2009
 مكاني :
 مشاركاتي : 78
 التقييم : المهاجرة لا تَملك نقــاط ... وَفقهاَ اللهْ~
آخر تواجد: 05-01-2012 04:08 PM
الدكتورة

القصة
قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي ، وقد تقولون بأنها ضرب من الخيال ولكن لتعلموا أن كل حرف فيها ينبض بالصدق والحقيقة فقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي .. لتعرفوا فقط أنني ما عانقت اليأس فيها يوما ، لأنني توكلت على ربي سبحانه ، وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل .. التي جدفت بهما حتى رسوت في النهاية على ميناء السعادة والحقيقة ، فاقرؤوها .. لتزرعوا الأمل فيما بعد في جنبات حياتكم ، ولتطردوا منها كل طائر يأس قد يعشش فيها .
1
عشت طفولة بائسة ، أقل مايقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة لاتكاد تجد ماتسد به رمقها من الجوع .. لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتهم البائسة تلك ، ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ، ومناسبات الأفراح لجيراننا ، وأهل الحارة بفارغ الصبر ، والترقب لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي نحرم منها طوال العام .
2
كانت أسرتي أسرة مفككة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر ، فلكل منا عالمه الخاص المغلق عليه هو فقط ، ولايستطيع أي كان أن يدخل إليه ، لا لأن أبوابه موصدة بقوة ! ؛ بل لأن أيا منا لم يكن ليهتم بدخول عالم الآخر ، فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه مايشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها .
3
كان أبي يعمل مستخدما في أحد المعارض ، وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة إلى نهاية الشهر بأمان ، بل كثيرا ماتتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر ، هذا بالرغم من بؤس عيشنا وشظف حياتنا .
كان والدي إنسانا سلبيا قانعا من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع أحيانا ، لايعلم عنهم شيئا ، وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من السجن آثارا سلبية جعلته لا مباليا بكل ماحوله . كنت أشفق عليه أحيانا ، وأنا أرى نبتة الأمل تخبو في نفسه يوما بعد الآخر . كان كثير الصمت والشرود لايحرك ساكنا ، ولو انهارت الدنيا من حوله ، أو كأنما هو أحس بخيوط حياته قد أفلتت من بين يديه فآثر أن لا يركض وراءها فأذعن لها بكل انهزامية واستسلام .
4
أما والدتي واعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة ، فالحقيقة أشد إيلاما ، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوما أنها زوجة وأم ؛ عليها واجبات تجاه زوجها وأبناؤها ، وكانت دائما تنظر إلى ما في أيدي الآخرين ، وتحسدهم على ماأنعم الله به عليهم ، وتستجديهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها ببعض الفتات ، فكأن أبي وأمي قد اعتبروا أن هذه الأسرة مصيبة حلت عليهم ، فهم يخشون مواجهتها أو حتى التعايش معها .
5
أما إخوتي فحدث ولاحرج ، فهم يعيشون بين جنبات الشوارع بلا هدف ولا معنى ، وأغلبيتهم انحرفوا عن جادة الصواب والطريق القويم دون أدنى مساءلة من أبي وأمي ، حتى إخوتي البنات لم يقمن وزنا للأخلاق ، ولا للشرف ، ولا حتى لنظرة المجتمع من حولهن ، والكارثة العظمى ؛ أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع الإبتدائي ، فإنهم يتسربون من مدارسهم بلا سبب سوى ضجرهم ، وعدم قدرتهم على النهوض صباحا ، فيقررون هكذا الإنقطاع عن المدرسة دون حسيب ، أو رقيب ، والإكتفاء بالتقلب داخل رحم التخلف ، والإنحراف ، والتشرد .
6
في ظل شرود أبي ، وتسكع أمي بين شوارع الحارة ؛ عشت هذه الطفولة الكئيبة ، وأنا كارهة لوضعي ناقمة على أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف ، وأسمى لقب في الوجود ، متشبثة بدراستي بقوة سمكة صغيرة مرتجفة تسبح ضد التيار الذي لايرحم ، وقد كنت من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي ، وانحراف أفرادها بلا استثناء .
7
وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسار حياتي للأبد ، وفيه بدأت مأساتي الحقيقية ، والتي لولا إيماني بالله ورحمته بي لما تجاوزتها . فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط ، وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى هذا المستوى . تقدم رجل لخطبتي من أبي ، وكنت حينها في الخامسة عشر من عمري ، أما هو كان في الستين من عمره ؛ مصاب بالضغط المرتفع ؛ والسكري ؛ ومدمنا للخمر ؛ وتاجرا للمخدرات مما يدر عليه دخلا مرتفعا ، وهذا هو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أمي وأبي يسيل ، ولايكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان ، ومن دون تردد وافقا ودون حتى أن يأخذوا موافقتي .
صرخت في وجهيهما ؛ [ لاأريده ] ؛
[ أريد أن أكمل دراستي ] زوجوه أختي الكبرى ، ولكن للأسف كان صوتي مجرد صدى يتردد من حولي دون أن يسمعه أحد سواي ، وكأنما كنت أحادث الفراغ اللامتناهي أمامي وليس والداي ، فقد أصما عقليهما إلا من نداء المال . قبضت أسرتي ثمن البيعة الخاسرة ، وهي مسرورة بالرغم من علمهم بأنه من مصدر حرام . وتم زفافي وسط جو كئيب من التعاسة ، واللامبالاة . فتخيلوا أن أمي لم تفكر حتى في توجيه أي نصيحة لي تلك الليلة ، أو حتى إلقاء نظرة على زينتي ، وماكياجي الذي وضعته أنا على وجهي ، أو حتى أن تتفقد أغراضي التي أحتاج إليها في بيتي الجديد .!
[] أتعلمون ماأول شئ وضعته أنا في حقيبتي ؟
وضعت دروسي ، وكتبي ، والتي كنت أتعلق بها ، كما يتعلق الطفل الصغير بثوب والدته خشية ضياعه منها في دروب الحياة الغامضة . []
8
ودخلت داري الجديدة ، عفوا : أقصد سجني ، وبمجرد أن أغلق الباب وراءه ؛ بدا بافتراسي كما يفترس الذئب ضحيته بكل وحشية ودموية . حاولت الهرب منه ولكنه لم يمهلني ، بل بدأ بتمزيق فستان زفافي ، ومعه مزق كل معنى جميل كنت أحاول رسمه لحياتي القادمة . لقد اغتصبني كما يغتصب المجرم عديم الأخلاق ضحيته في شوارع الليل المظلمة ، وبين جنبات الخرائب المتهدمة ، وبعد أن انتهى من جريمته تناول شرابه الكريه ، واستلقى على فراشه كثور ضخم متبلد الإحساس دون حتى أن يكلمني ، أو ينظر إلى وجهي وارتفع صوت شخيره البغيض ، وهو أشبه بصوت طرق عنيف على أذني ، ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع الذي إغتال آدميتها ونقاءها . أخذت أرتجف بألم ، وأجفف جراحي النازفة ، وأهدي من روعي المتصاعد من هذا الوحش الآدمي ، الذي يرتدي عباءة الزوج .
9
خمس سنوات مرت من عمري دفعتها
كفاتورة قاسية للجشع والطمع اللذين أعميا أبصار أهلي . خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غاليا ، وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط ، والنعال - أكرمكم الله - ، والحبس ، وحتى الحرمان من الطعام ، وكأنني خادمة يتيمة في قبضة سيد اشتراها من ماله ، فهو يتحكم بها كيفما يشاء ، كل ذلك لم يقهرني بقدر ماقهرني وجعلني أنزف من الداخل ؛ حرماني من الدراسة ، ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة ، أو حتى لإنتسابي وأدائي للإختبار نهاية العام . أصبحت أشبه بهيكل عظمي نتيجة الهم والغم ، الذي أصابني بسبب حرماني من الدراسة ، ولكن الله الرزاق الرحيم يشاء أن يهبني أطفالا يشغلونني عن كثرة التفكير بحرماني من الدراسة التي أعشقها ، إلى درجة لا يتصورها إنسان .
10
أنجبت ولدين وبنت خلال خمس سنوات فقط ، وأنا في العشرين من عمري لقد عاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع ما مررت به في طفولتي ، من ألم الإهمال ، وعدم الإحساس بالأبناء ، ولكن أنى لي ذلك ، وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة ، فبمجرد أن يشرب الخمر ويصبح ثملا ؛ فإنه يقوم بضربي وإياهم على أتفه الأسباب . أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة ؛ كنت أحتضنهم وأنام وإياهم ونحن جالسين ؛ خوفا من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعدنا دائما . أما حين يكون بحاجة للمخدر ولايجده ؛ فإنه يقوم بتحطيم الأثاث ، وتكسير الأواني ، وطردي مع أطفالي إلى الشارع ، وكثيرا ماقام جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة ، وشفقة بنا ، ولعلكم تتساءلون عن والدي ودورهما في مساعدتي ؟
اسمحوا لي أن أصدمكم بقولي : أنهما لم يحركا ساكنا تجاه مايريانه من أحداث مؤلمة تحيط بي ، وكاد اليأس أن يتسلل إلى نفسي من هذه الحياة السوداء التعيسة التي أعيشها ، ولكن قوة إيماني بربي كانت تحول بيني وبين هذا الشبح البغيض . دعوت الله في تلك الليالي المدلهمة أن يفرج كربي ، ويزيل عني هذا البلاء ، الذي تعجز نفسي المرهفة على احتماله .
11
واستجاب الله لدعائي . ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا ، وهم ينادون علي
" ياأم فلان .. زوجك .. زوجك "
ركضت أنا وأطفالي مسرعين ، خرجنا من الدار لنرى ما حدث .
لقد قام زوجي السكير بالعراك مع رجل من زبائنه ، اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين ؛ فطعنه زوجي طعنات قاتلة فمات على الفور . لقد شاهدت زوجي المجرم ، وقد تلطخت ملابسه بالدماء ، وهو يرتجف بين أيدي رجال الشرطة ، كما يرتجف الفأر المذعور حين يقع في المصيدة ، كانت شفتاه تميلان إلى اللون الأبيض من هول الموقف ، وأطرافه بالكاد تحمله ، أما عيناه فكانتا زائغتين ينظر إلى الناس من حوله بذهول ، أما أنا فلا تسألوني عن مشاعري المضطربة حينها ، لا أدري أهي لحظات سعادة ؟ ، أم شماتة انتظرها من زمن طويل ؟ ، أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة ؟ ، لم أشعر إلا وأنا أردد لاشعوريا : الحمد لله ، الحمد لله .
12
تذكرت تلك الليلة الحزينة ، ليلة زفافي الأليمة حين وجه إلي طعناته النافذة ، واغتصبني بقسوة رجل سكير ، يحمل بين جنبيه قلب من صخر ، لا رحمة فيه ولا شفقة ، تذكرت جراحي النازفة ، وثيابي الممزقة ، وإرتجافي بين يديه بخوف ، لم أكن أعلم إلى أين أفر ، ولم يكن لي مهرب ، تذكرت دموعي الساخنة في تلك الليلة السوداء ، يا إلهي هاهو الزمن يعيد تصويره العجيب ، إنه اليوم في نفس موقعي بالأمس ، يالها من دنيا عجيبة . وبعد أسبوع فقط من القبض عليه ، وقبل حتى أن تبدأ محاكمته ؛ أصدرت عدالة السماء حكمها فمات بعد ارتفاع الضغط ، وإصابته بنزيف دماغي ، أتتخيلون البلبل الصغير حين يفتح له باب القفص فجأة فيتردد في الإنطلاق ظنا منه أن ذلك حلم . كنت أنا مثله تماما ، بصقت على دولاب ملابسه ، وعلى كؤوس خمره القذرة ، وعلى سوطه الذي ألهب جسدي ، وجسد أطفاله من ضرباته المؤلمة ، بصقت على كل شبر في منزلي سار عليه ودنسه برجليه الكريهتين ، وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته ، وأنا التي لم أرهم منذ سنتين ، فكانت أول كلمة قالتها أمي حتى قبل أن تقبلني ؛ " الله يرحمه ، هل عنده إرث ؟! " ، ولولا خوفي من الله لطردتها ، وطردتهم جميعا .!
13
ومن تصاريف رب القدر ؛ أن زوجي كان مديونا ، وحين علمت أسرتي بذلك لم أعد أراهم ، فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئا إضافيا أنا ، وأطفالي ، شعرت بالألم الممزوج بالقهر ، فيا لها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي أبرمها أهلي مع ذلك الجلاد . خمس سنوات من عمري ضاعت ، وحين كان أهلي يستعدون لجني الأرباح وجدوا أن الأسهم كانت خاسرة ، ففضلوا الهرب بعيدا . جلست أفكر مليا فأنا الآن أمام مفترق الطرق ، فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري لدي ثلاثة أطفال ، وليس لدي مورد رزق ، ماذا أفعل ؟ أمامي طريقان أسلكهما ؛ الأول : هو طريق الكفاح والصبر ، والأمل البعيد .
والثاني : طريق الكسب السريع حين أبيع أنوثتي للراغبين في امرأة جميلة ووحيدة ، اخترت الطريق الأول بلا تردد . فأهم شئ حصلت عليه من رحلتي المؤلمة ؛ أنني أصبحت حرة ليس لهؤلاء عديمي الرحمة والشفقة ، قيد علي ، فكان أول مافعلته ؛ أنني بعت آخر قطعة ذهب خبأتها عندي بمبلغ لابأس به ، ورحلت عن هذا المنزل الكريه الذي شهد أسوأ ذكرياتي .
14
وانتقلت أنا ، وأطفالي إلى مدينة بعيدة ، وهناك استأجرت غرفة صغيرة بحمامها ، واشتريت موقدا صغيرا ، وسريرا مستعملا ليضمني أنا وأطفالي . وبعض الأواني القديمة المستعملة ، أعترف أنها كانت غرفة حقيرة حتى في نظر الفقراء ، ولكن ماجعلها مثل الحلم بنظري ؛ هو أنني وحدي فيها مع أطفالي فأنا التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعا ، فلا أحد بعد اليوم سيرسم لي طريق حياتي البائسة . بدأت أبحث عن عمل شريف أعيش منه أنا وصغاري ، ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيرا ، فقد كانوا يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمة ، وأحسنوا إلي فجزاهم الله عني خير الجزاء ، ووجدت عملا حكوميا كمستخدمة في إحدى المدارس الثانوية القريبة من بيتي ، ولا أنسى أول راتب قبضته في حياتي ، صحيح أنه كان بسيطا ، ولكن دموعي انهمرت من عيني لحظة استلامه ؛ بكيت كثيرا وحمدت الله على رزقه ، وإعانتي على لقمة العيش الشريفة .
15
اشتريت لأطفالي ملابس جديدة ، وألعابا ، وطعاما طيبا ولأول مرة منذ أربعة أشهر ، أطبخ لحما ، ودجاجا لأطفالي ، واشتري لهم بسكويتا وشوكلاته ، كنت أرى السعادة تتراقص في أعينهم وهم يتلذذون بما أحضر لهم ، خاصة حين هجرنا الخوف من ذلك المجرم الذي كان يضربنا في كل لحظة ، وكأننا كلاب شريرة جاءت تتسول على بابه . مرت سنة كاملة علي وأنا في وظيفتي . استطعت خلالها أن أكسب احترام مديرتي ، وتعاطف المعلمات ، وحب الطالبات ؛ بما منحني الله من تفاني بالعمل وإخلاص ، وذات يوم سألت نفسي لم لاأكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية ! ، وعرضت الأمر على مديرتي فشجعتني كثيرا ، وفعلا قدمت أوراق انتسابي ، وكانت صدفة أن ابني البكر يدرس في الصف الأول الإبتدائي ، وأنا في الصف الأول الثانوي . اجتهدت كثيرا في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاة على عاتقي كأم ، وموظفة ، وطالبة . وفي خلال ثلاث سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة ، بنسبة سبع وتسعون بالمئة ، وكانت هذه النسبة مفاجأة لكل من حولي ، بكيت كثيرا وأنا أرى ثمار جهدي بدأت تنضج .
16
انتقلت من عملي كمستخدمه ، وقدمت على وظيفة كاتبه في إحدى الدوائر الحكومية براتب جيد ، بالإضافة إلى تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة قسم التربية الإسلامية . استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين ، وصالة ، ومطبخ مستقل ، وحمام ، ولأول مرة يدخل التلفزيون إلى بيتنا بعد أن أخذت سلفة من البنك ؛ أثثت فيها الشقة أثاثا جديدا ، صحيح أنه كان بسيطا ، ولكنه لم يكن مستعملا ، وبدأت ارتاح نوعا ما في حياتي خاصة أن أطفالي جميعهم دخلوا المدارس ، وأصبحوا من المتفوقين دراسيا وأخلاقيا ، اشتريت لأطفالي ما كانت نفوسهم تهفوا عليه من ألعاب رخيصة ، وملابس بسيطة ، وحاولت قدر الإمكان أن أعوضهم عن حاجتهم إلى العائلة الكبيرة ، فكونت صداقات عميقة مع زميلات ، وأخوات في الله ، كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات ، وزيارات سوية نروح عن أطفالنا ، والذي كان يثلج صدري ويمنحني الصبر ، والأمل هو نظرات الحب التي كنت أراها في عيون أطفالي ، وتلك القبلات اللذيذة التي كانوا يعطرونني بها بمناسبة ، أو بدونها . مرت أربع سنوات عصيبة حصلت فيها على البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى ، ثم استقلت من عملي ككاتبة ، وتم تعييني معلمة في مدرسة ثانوية .
17
كان ابني الكبير في الثالثة عشر من عمره حين أصبحت معلمة احتضنني بقوة ، وهو لايكاد يغالب دموعه قائلا : { أمي أنا فخور بك ، أنت أعظم أم في العالم } ، واحتضنتهم جميعا ، وظللنا نبكي بلا شعور لساعات طويلة ، ولأول مرة في حياتي أقبض مرتبا ضخما . تصدقت بنصفه كشكر لله على نعمه المتوالية علي ، وبما يسر لي من أسباب الرزق ، وبنصفه الباقي اشتريت لأطفالي جميع مايحتاجون إليه .
وبدأت فيما بعد أدخر جزءا كبيرا منه لبناء منزل خاص بنا ، وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط ، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف ، وبدأت في بناء منزلنا الكبير المكون من طابقين به عشر غرف ، وصالتين ، ومطبخ ، ومستودع ، وحديقة كبيرة ، ومسبح جميل .
18
وقدمت على الدكتوراه ، وكان مشوارها صعبا جدا ؛ خاصة أن أطفالي بدؤا يكبرون ، ويتدرجون في فصولهم ، فكان الإرهاق يكاد يقتلني أحيانا وأنا أشتت نفسي بين عملي كمعلمة ، وبين مذاكرتي للدكتوراه وأبحاثي ، وبين مذاكرة أولادي ، وبين الإشراف على البناء والتأثيث ، والذي كان أثاثا فخما ورائعا . وحصلت خلالها على درجة الدكتوراه وبإمتياز أيضا مع مرتبة الشرف ، وتم تعييني كأستاذة في الجامعة ، وأنا في السابعة والثلاثين من عمري . أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي بمن فكرت ؟ لقد فكرت بأمي ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح ؟ ، أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك ؟! .
19
ولكن لاتعتقدوا أني إنسانة عاقة لوالدتي ، أو أنني لم أحاول صلتها في ما مضى ؛ بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مرة خلال مشوار حياتي ، فوجدتها كما هي لم تتغير ، تتسكع بين بيوت الجيران ، وتهفوا إلى المال دائما أيا كان مصدره ، حتى أنها كثيرا لاتسأل شقيقاتي من أين يأتين بالمال ؟ ، بل أهم من ذلك : أن يعطينها شيئا منه . أما والدي فقد توفي بعد زوجي بسنة واحدة . اقتطعت جرءا من مرتبي شهريا ، وكنت أرسله لها بإنتظام إلى أن توفاها الله بعد ذلك .
أما إخوتي وأخواني ، فلم يكن يشرفني التعرف إليهم ، أو تواجدهم
في حياتي ، فابتعدت عنهم من أجل أبنائي .
20
ابتسمت الحياة لي بعد عبوس طويل ، فها أنا الآن لي مركزي الإجتماعي ، وأعيش في بيت فخم ، وعندي الخدم ، والسائقين ، وأبنائي جميعهم قد تخرجوا من جامعاتهم العلمية ؛ فإبني الأكبر : أصبح طبيبا جراحا ، والآخر : مهندس معماري ، والصغرى : طبيبة أطفال ، وقد زوجتهم جميعا ، وأصر إبني الكبير أن يعيش هو وزوجته معي ، فملآ علي البيت بالحياة ، وضحكات الأحفاد ، وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري مازلت أحتفظ بمسحة من جمالي برغم جميع الظروف التي مررت بها .



هذه القصة حقيقية



















 - - - I S L A M G I R L S . C O M - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -


 
 

الإشارات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً: 1 (0 من الأعضاء و 1 من الزوار)
 

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +3: 10:40 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
:: فتيات الإسلام ::