ميلاد الرضــا في النفوس
مسألة الرضا من المسائل الصعبة والبسيطة في الوقت ذاته.
وقبل الدخول في التفاصيل عليَّ أن أوضح أن الرضا ليس معناه قبول التقصير أو نتائج التقصير.
هذه مسألة مهمة وأساسية، كثيرا ما يخطئ المرء في حق الله تعالى ثم لما يصيبه شيء يقول هذا ابتلاء وعليَّ الرضا بما جاءني، المسألة ليست هكذا، ما أصاب المرء نتيجة تقصيره ما هو إلا نتاج تقصيره وعقابه على ذلك، الرضا هنا يحمل معنى تعلم الدرس وعدم الخطأ في حق الله تعالى، وليس معناه اعتبار العقوبة نوعا من أنواع قضاء الله تعالى فنرضى بها.
هذه قضية مهمة وأساسية، وأرى ضرورة مراجعة الاستشارة التالية إذ فيها تفريق بين ابتلاء المعصية وابتلاء التمحيص:
متى نصر الله ؟
أما الرضا الذي نتحدث عنه فهو أن يكون الإنسان طائعًا لربه سبحانه ثم يجد شيئا لا يرضيه أو يعود عليه بغير ما تمنى دون تقصير منه أو خطأ. هذا الرضا هو الصعب السهل. صعب لأنه يحتاج نفسًا قادرة في كل أحوالها على أن تتذكر الله تعالى، وأن تدرك عقيدة أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وأن تدبير الله تعالى خير. عليها أن تدرك ذلك جيدا ويقينا. وهذا أمر صعب جدا على النفس. وسهل لأن النفس حين تعي هذا جيدا ترتاح كثيرا من كل هموم الدنيا، وتعلم أن كل شيء بقدر، لذلك لا يعد شيء في الدنيا يعنيها إلا حالها مع ربها سبحانه.
كيف نتعلم أن نصل إلى هذه النفس؟
بتذكير النفس بثلاثة مفاهيم:
المفهوم الأول: أن الله تعالى ليس بظالم، ولا يهوى سبحانه تعذيب الناس، قال تعالى في سورة النساء: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما)، وأكد هذا حين وصف نفسه سبحانه بالرحمن، وأن رحمته وسعت كل شيء: (قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف.. فالعذاب ليس عاما بينما الرحمة عامة، والرحمة أصل والعذاب استثناء.
فما دام المرء طائعا لله تعالى فلن يظلمه الله تعالى، بل هو سبحانه أرحم من المرء على نفسه.
لو غُرس فينا هذا المفهوم لصحت نفوسنا.
المفهوم الثاني: علم المؤمن أن تدبير الله تعالى خير من تدبيره، وأن أمره كله خير؛ في السراء وفي الضراء:
قال : (عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر. فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيرا له) رواه مسلم.
المفهوم الثالث: أن يوقن أن الدنيا لا تساوي شيئا، وأن الهم الأكبر هو رضا الله تعالى:
كما قال الشاعر:
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك تصفوا والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خرابُ
أن يجعل المرء الدنيا في يده لا في قلبه، تأتي وتذهب، إن أتت فخير يحمد الله تعالى عليه، وإن ذهبت فخير يحمد الله تعالى عليه، دون أن يكون في نفسه منها شيء طالما أن المرء مطيع لله تعالى.
هذه المفاهيم الثلاثة رغم وضوحها وسهولتها عقليا إلا أنها صعبة عمليا، وهو ما على النفس أن تتدرب عليه.
وخطوة خطوة يتحقق المراد بعون الله تعالى، مع اليقين بأن الله تعالى سيعين ويساعد ويقوي، قال تعالى في سورة العنكبوت: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
فالمجاهدة في هذا تستوجب عون الله تعالى
نقلت بتصرف من استشارة لموقع اسلام اونلاين
للمستشار الدكتور كمال المصري
- - - I S L A M G I R L S .
C O M - - - - - - - - - - - -
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
- - - - -
|